المسؤوليّة، لغةً، حال أو صفة مَن يُسْأل عن أَمر تقع عليه تبعَتُه، لذا تحرص الدول المتقدِّمة أن يتلازم إسناد المسؤوليّة فيها مع تحديد آليّات المساءلة، وذلك ضماناً لعدم تحوُّل الوظيفة إلى أداة تسلُّط أو استغلال. وثقافة المساءلة تفترض أن على الموظَّف، مهما علَت درجتُه، أن يبرهن بشكل دائم ودامغ أنّ العمل الذي أُسند إليه يُنجز وفقاً للقوانين والمعايير المعتمَدة.
تولي الإمارات مسألة النزاهة والشفافيّة في الأداء الحكوميّ أهمّيّة قصوى، وخير دليل على ذلك حلول الدولة في المركز الأوّل إقليميّاً والـ21 عالميّاً في «مؤشِّر مدركات الفساد» لسنة 2020، الذي تصدره “منظّمة الشفافيّة الدوليّة” المعنيّة بمكافحة الفساد. فقد حصلت الإمارات على 71 نقطة، متفوِّقة بذلك على دول كثيرة منها فرنسا والولايات المتّحدة وكوريا الجنوبيّة وسواها. هذه المرتبة المتقدّمة إنّما تعكس حرص السلطات على محاربة الفساد بأشكاله كافّة، ونجاح مبادراتها الكثيرة في هذا السياق، ومنها، مؤخَّراً، إصدار رئيس دولة الإمارات سموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مرسوماً اتّحادياً بشأن مساءلة الوزراء وكبار الموظّفين، فيما يخصُّ أداءهم في وظائفهم الرسميّة. وقد حدّد المرسوم آليّات تلقّي النيابة العامّة للشكاوى والبلاغات ضدّ كبار المسؤولين، للنظر فيها واتّخاذ اللازم قبل إحالتها للتحقيق. وفي حال ثبوت صحّة الوقائع والبدء بالتحقيق، يمكن إصدار قرار بمنع الوزير أو المسؤول من السفر أو تجميد أمواله أو منعه من التصرُّف فيها. وتشمل العقوبات المترتّبة على المخالفات اللوم أو الإحالة إلى التقاعد أو العزل من الوظيفة (مع إمكان الحرمان من مستحقّات التقاعد). والجدير ذكره أنّ الوزير أو المسؤول، إذا ما استقال بعد تقديم شكوى ضدّه، لا يُعفى من الإجراءات القانونيّة المترتِّبة على ما ارتكبه.
باختصار، من شأن هذا القانون أن يعزّز ثقة المواطنين والمقيمين بالدولة، وأن يردع الموظَّف الذي تسوِّل له نفسه إساءة استعمال السلطة المعطاة له، وأن يوطّد صورة دولتنا في العالم بوصفها مثالاً يُحتذى في مكافحة الفساد.